المدارس الديمقراطية

يُعتبر التعليم أنه نقل للقيم والمعارف المتراكمة للمجتمع. نظراً لأن المجتمع يصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى وتصبح المدارس مؤسساتية أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي تزداد الخبرة التعليمية وتصبح أقل ارتباطاً بالحياة اليومية، وأقل ارتباطاً بالتعلم في سياق عالَم العمل، وأكثر تجريداً من الممارسة. بعبارة أخرى، يتم إحراز تقدم من الناحية النظرية ولكنه يظل بعيداً عن الجانب العملي وناقصاً. إن أساليب التعليم الرسمية للأطفال يمكن أن تقوم إلى حد ما بتعليم الأطفال ثقافة وفقاً لها، بالإضافة إلى الفلسفات والنظريات التربوية في المدارس. لكن العقلية والوعي في المدارس العامة ليسا اجتماعيين وديمقراطيين، بل يتماشيان مع فكر ومصالح الدولة والسلطات. تعزز المدارس الحكومية السيادة وتعزل الأطفال عن ثقافتهم وواقعهم الاجتماعي. لا يستطيع الأطفال في هذه المدارس التنقل بحرية والتعبير عن وجودهم.
بداية ظهور المدارس
في البداية على مدى مئات الآلاف من السنين، تعلّم الاطفال من خلال اللعب والاستكشاف الذاتي. فيما يتعلق بالتاريخ البيولوجي والثقافي لجنسنا البشري، فإن المدارس هي مؤسسات حديثة جداً. لمئات الآلاف من السنين، تلعب المواقف الاستكشافية ولعب الأطفال دوراً في إعدادهم للحياة وإشراكهم في الحياة الاجتماعية. سمح البالغون الذين لديهم ثقافة الصيد والتجمع للأطفال باللعب والتحرك بحرية. كانت طريقة طبيعية وحيوية للتعلم. في هذا النظام، لايعتبر الطفل ملكاً لأبيه وأمٍه فقط، إنما يعتبر المجتمع نفسه مسؤولاً عن هذا الطفل.
تطورت جميع مجالات الحياة في عصر المجتمع الطبيعي. كما تم تعليم المجتمع ضمن إطار المرأة والأم. كما شارك المجتمع المتعلم الأطفال قيمه الأخلاقية وخبراته الحياتية ومعرفته وثقافته. كان يولي أهمية كبيرة لتعليم الأطفال وبنهاية التعليم يخضع البالغون لاختبارات. الفتيات والصبيان بقدر ما يمكنهم النجاح قادرون أيضاً على تحمل المسؤولية في الحياة الاجتماعية.
في بلاد ما بين النهرين، استغرق النظام اللوغرافي المبكر للنص المسماري سنوات عديدة لإتقانه. وهكذا تم توظيف عدد محدود فقط من الأفراد ككتبة لتدريبهم على قراءتها وكتابتها. فقط ذرية الملك وأبناء الأثرياء والمهنيين مثل الكتبة والأطباء ومديري المعابد، هم الذين تلقوا التعليم. تم تعليم معظم الأولاد حرفة والدهم أو تم تدريبهم على تعلم حرفة أخرى. بقيت الفتيات في المنزل مع أمهاتهن لتعلم التدبير المنزلي والطهي ورعاية الأطفال الصغار. في وقت لاحق، أصبح المزيد من سكان بلاد ما بين النهرين متعلمين. تم الكشف عن معلومات حول نظام المدارس السومرية نتيجة ﻷبحاث جيولوجية في شوروباك وهي مدينة سومرية في 1902-1903. تم العثور على العديد من الألواح، والتي كانت تستخدم في ذلك الوقت لتعليم علم النبات والحيوان والجيولوجيا والرياضيات واللغويات. تزودنا يوميات طفل سومري يتحدث فيه عن يوم في حياته، بمعلومات مثيرة للاهتمام حول واقع النظام المدرسي السومري، حيث قال: " حفظت ألواحي الدراسية، وتناولت الغداء، وأعددت ألواحي الجديدة، وكتبت وظائفي وأنهيتها أيضاً. أعطاني المشرف الدروس التي كان علي حفظها، وأعطاني واجبات منزلية في فترة ما بعد الظهر. عندما انتهى الدوام، عدت إلى المنزل ورأيت والدي جالساً. قرأت لوالدي الألواح التي حفظتها، لقد كان سعيداً جداً. استيقظت في وقت مبكر من صباح اليوم التالي، وطلبت من والدتي أن تعطيني طعاماً وذهبت إلى المدرسة. عندما وصلت إلى المدرسة، سألني المشرف عن سبب تأخري. خفت منه كثيراً وانحنيت له وذهبت إلى منزلي." تخبرنا مذكرات هذا الطفل السومري بوضوح أنه لم يحدث أي تغيير في نظام التعليم الدولتي منذ السومريين إلى يومنا هذا وأن سومر بنظامه التعليمي هو أيضاً المصدر الرئيسي لجميع أنظمة الدول التي تلتها.
بدأ التدريب في المعابد: أولاً في الزقورات أي المعابد السومرية، ثم في المعابد الزرادشتية والمعابد اليهودية والكنائس والمساجد. كان التعليم يعطى في المعابد بشكل رئيسي تحت ظل الدين. إضافة إلى هذه المعابد تم تنظيم المدارس أولاً في سومر ولاحقاً في حضارات أخرى. لكن كان عدد المدارس والطلاب محدوداً في هذه الأماكن والفترات.
مع ظهور الصناعة في أوربا، أصبح الأطفال عمالاً قسريين. تم قمع اللعب والاستكشاف. إن العناد الذي كان فضيلة أصبح رذيلة ولا بد من ضرب الأطفال. مع تقدم الصناعة والتكنولوجيا انخفضت الحاجة إلى عمالة الأطفال في بعض أجزاء من العالم. بدأت الفكرة تنتشر أن الطفولة يجب أن تكون مرحلة للتعلم، وأن مدارس الأطفال تم تطويرها لتكون أماكن للتعلم. تطورت فكرة وممارسة التعليم العام الإلزامي الشامل تدريجياً في أوروبا من أوائل القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر. لقد كانت الفكرة التي حظيت بالعديد من المؤيدين، وجميعهم لديهم أجنداتهم الخاصة فيما يتعلق بالدروس التي يجب أن يتعلمها الأطفال. تطور التعليم العام الإلزامي في ألمانيا في نهاية القرن السابع عشر مع القانون الذي يقضي بأن يذهب جميع الأطفال إلى المدرسة، وكانت هذه المدارس تدار تحت رعاية الكنيسة.
التعليم التقليدي
هو التعليم القائم على إعطاء الدروس التعليمية في غرفة الصف وجهاً لوجه، ويجب حضور كل من المعلم والمتعلم في الصف. هذا النمط من التعليم مستخدم منذ عدة قرون، أو منذ بدء المنظومة التربوية في العالم، ويعتمد نمط التعليم التقليدي على الثقافة التقليدية التي تعد الركيزة الأساسية في نقل المعرفة، إذ يكون المعلم محور العملية التعليمية، ويعدّ الوسيلة التعليمية المثالية لنقل المعرفة والمعلومة وتلقينها للطلبة، ويكون دور المتعلم سلبياً، وهو مجرد متلقي للمعلومة، ويحفظها من دون أي جهد في اكتشافها. يرتكز أسلوب التعليم التقليدي على ثلاثة محاور رئيسية، وهي: المعلم والمتعلم والكتاب بما يحتويه من معلومات؛ لذا لا وجود للوسائل التعليمية المبتكرة أو التكنولوجية. ويمكن أن نقول إن التعليم التقليدي يتكون من المعلم والطالب والسبورة والكتاب في غرفة الصف.
من سلبيات التعليم التقليدي الدور السلبي للطالب الذي يكون معتمداً كلياً على المعلم عن طريق تلقين المعلومات وحفظها، إذ يتم التركيز على هذا الجانب وتُهمل الجوانب الأخرى لدى المتعلم؛ لأن المادة الدراسية ركزت في جانب التلقين والحفظ، وأهملت جانب اكتساب الخبرة والمعرفة عبر اكتشاف المادة والمعلومة من الطالب نفسه، وأيضاً لا يمكن مراعاة الفروق الفردية بدقة لضيق الوقت، وكثرة العدد في الصف الدراسي. وفي هذا النمط من التعليم يؤدي إلى طمس روح التفكير الناقد والابتكار لدى الطلبة؛ بسبب الاعتماد على الحفظ والتلقين للمادة واعتماد المعلم درجة الامتحان كمعيار للنجاح؛ وبالتالي ستهمل أية نشاطات أخرى خارج غرف الصف الدراسي.
تخيل مدرسة حيث يتم فيها منح الأطفال والمراهقين جميع حقوق ومسؤوليات المواطنة الديمقراطية؛ حيث يتعلم الأطفال إلى جانب القراءة مبادئ حرية التعبير وحرية اختيار أنشطتهم الخاصة أيضاً. أي تدريب أفضل من هذا لإعداد الطلاب للمواطنة الديمقراطية؟ كثير من الناس يشككون في قدرة هذه المدارس على العمل. إنهم يتساءلون عما إذا كان الأطفال والمراهقون، بمنحهم هذه القوة هل سيتخذون قرارات معقولة، إما للمدرسة كمؤسسة أو لأنفسهم كأفراد؟ ومع ذلك، فإن العديد من هذه المدارس موجودة، وقد أثبتت نجاحها بكل المقاييس المعقولة. بعضها موجود منذ عقود. لقد أنتجت مثل هذه المدارس مئات الخريجين الذين حققوا نجاحاً في جميع مناحي الحياة. تعتبر مدرسة Sudbury أحد هذه المدارس الديمقراطية.
مدرسة Sudbury
مدرسة Sudbury هي نوع من المدارس، عادة للفئة العمرية من الروضة وحتى الثانوية، حيث يتحمل الطلاب المسؤولية الكاملة عن تعليمهم، والمدرسة تدار من خلال نظام ديمقراطي مباشر يكون فيه الطلاب والموظفون متساوين. يقضي الطلاب وقتهم كما يحلو لهم، لا يوجد منهج تعليمي محدد مسبقاً أو منهج إلزامي أو تعليمات موحدة. هذا شكل من أشكال التعليم الديمقراطي. كتب دانيال جرينبيرج، أحد مؤسسي مدرسة Sudbury النموذجية الأصلية، أن ما يميز مدرسة Sudbury النموذجية هوا أن الجميع يعاملون على قدم المساواة (الكبار والأطفال معاً) ولا توجد سلطة. بينما تعمل كل مدرسة نموذجية في Sudbury بشكل مستقل وتحدد سياساتها وإجراءاتها فإنها ذات ثقافة مشتركة. تم وصف الثقافة المقصودة داخل مدرسة Sudbury بكلمات مثل الحرية والثقة والاحترام والمسؤولية والديمقراطية.
تم الكشف عن نموذج Sudbury لأول مرة في عام 1968 من قبل مدرسة Sudbury Valley في غرب ضواحي بوسطن. منذ ذلك الحين، انتشر في بضع عشرات من المدارس (حوالي ثلثيها في أمريكا الشمالية)، وكلها تستند إلى فرضيتين بسيطتين: أولاً، أن الأطفال يتمتعون بالفطرة والفضول القوي، ومندفعين لفهم وإتقان العالم من حولهم؛ وثانياً، أن التعليم الأفضل يعترف بهذه الحقيقة الأساسية ويحترمها، مما يمنح جميع الشباب الحرية والمسؤولية لاكتشاف مساراتهم الفردية.
المعتقدات الأساسية لمدرسة Sudbury
الاعتقاد التربوي: إن الأطفال بارعون للغاية (وبالتالي لا يحتاجون إلى تعليم) والسلوكيات الأساسية التي يحتاجون إليها كبالغين هي الإبداع والخيال واليقظة والفضول والتفكير والمسؤولية والحكم. ما يفتقر إليه الأطفال هو الخبرة التي يمكن اكتسابها إذا قام الكبار بتوجيه الطلاب بطرق منفتحة. الاعتقاد الاجتماعي والسياسي: إن التمتع بحقوق ديمقراطية كاملة في مرحلة الطفولة هو أفضل طريقة لتصبح شخصاً بالغاً تعمل بشكل مريح في إطار الديمقراطية. يوضح النموذج التعليمي لهذه المدارس أن هناك العديد من طرق التعلم، والتعلم هو عملية يقوم بها الفرد وليست إلزامية. ووفقاً لهذا النموذج، لا يلزم وجود مدرّس.
الاختلاط العمري
لا يتم فصل الطلاب حسب العمر ويسمح بالمشاركة والتفاعل بحرية بين الطلاب الصغار والكبار. يُنظر إلى هذا على أنه أداة قوية للتعلم والتطوير.
على مدار الأربعين عاماً الماضية، أثبتت مدرسة Sudbury Valley أن مطالب الناس بالتعلم الذاتي يمكن أن توفر الأساس للتعليم في مجتمع حديث. في هذه المدرسة يستكشف الأطفال والشباب ويلعبون ويتحدثون كما يحلو لهم - دون توجيه - ثم يتخرجون كأشخاص ناجحين وينخرطون في الحياة. هناك حاجة للتعلم الذاتي من خلال اللعب والاستكشاف على مدى فترة زمنية غير مخططة ودون ضغط وتدخل من الأفراد أو السلطات. يتجاهلها مدرسو الدولة ليس عن قصد، بل لأنهم لا يستطيعون استيعابها في إطار فكرهم التربوي. لا يعتبر نموذج Sudbury Valley التعليمي اختلافاً في التعليم القياسي. إنها ليست نسخة متطورة من التعليم التقليدي. إنها ليست مدرسة مونتيسوري أو مدرسة ديوي أو مدرسة بياجيه البنائية. لفهم المدرسة، يجب على المرء أن يبدأ بعقلية مختلفة تماماً عن تلك التي تهيمن على التفكير التربوي الحالي.
مدارس Sudbury الحالية:
- مدرسة Sudbury Valley School
تأسست مدرسة Sudbury Valley School في عام 1968 من قبل مجموعة من الأشخاص بما في ذلك Daniel Greenberg و Mimsy Sadofsky و Hanna Greenberg في Framingham. يهدف Greenberg إلى إنشاء نظام مدرسي يكون عادلاً ومريحاً نفسياً ويحكم نفسه مع كون الحياة الواقعية هي المصدر الأساسي للتعلم. بدأت المدرسة صيف عام 1968 بتسجيل 130 طالباً في جلسة صيفية تجريبية قبل بدء العام الدراسي في سبتمبر. خلال الدورة الصيفية، من بين الطلاب البالغ عددهم 130 طالباً التحق نصفهم تقريباً بالعام الدراسي، تتراوح أعمارهم بين 4 إلى 17. وشهدت التسعينيات انتشاراً لنموذج Sudbury في جميع أنحاء الولايات المتحدة وخارجها، وهناك الآن العديد من المدارس التي تعتمد على هذا النموذج.
- Fairhaven School
تأسست مدرسة Fairhaven School في عام 1998 في أبر مارلبورو بولاية ماريلاند. إنها واحدة من أكثر من 30 مدرسة تعتمد على نموذج Sudbury. يحتوي النموذج على مبدأين أساسيين: الحرية التعليمية والحكم الديمقراطي. إنها مدرسة خاصة، يحضرها أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 19 سنة. تأسست المدرسة من قبل مارك وكيم مكايغ بعد أن تعلموا في مدرسة سودبيري فالي في فرامنغهام، ماساتشوستس.
تمارس مدرسة Fairhaven شكلاً من أشكال التعليم الديمقراطي حيث يقرر الطلاب بشكل فردي ما يجب فعله بوقتهم، ويتعلمون كمنتج ثانوي للتجربة العادية بدلاً من الفصول أو المناهج الدراسية القياسية. يتم إعطاء الطلاب المسؤولية الكاملة عن تعلمهم والمدرسة تدار من خلال نظام ديمقراطي مباشر يتساوى فيه الطلاب والموظفون. تفرض مدرسة Fairhaven School سياسة حضور مرنة، حيث يجب على الطلاب الحضور لمدة 5 ساعات يومياً، ولكن يمكنهم الحضور والذهاب كما يشاؤون طالما أنهم يستوفون الحد الأدنى من متطلبات الوقت.
- مدرسة Summerhill
مدرسة سمرهيل هي مدرسة داخلية مستقلة (أي مدفوعة الرسوم) في سوفولك، إنجلترا. تأسست في عام 1921 على يد ألكسندر ساذرلاند نيل على مبدأ أن المدرسة يجب أن تكون مناسبة للطفل، وليس العكس. يتم التعليم من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية. تعمل المدرسة كمجتمع ديمقراطي. تشتهر سمرهيل بفلسفتها التي تقول إن الأطفال يتعلمون بشكل أفضل من خلال الحرية. جميع الفصول الدراسية في سمرهيل اختيارية والطلاب أحرار في قضاء وقتهم كما يحلو لهم. يؤمن نيل سمرهيل بأن "واجب الطفل هو أن يختار حياته بنفسه لا الحياة التي يختارها والديه، وليست حياة مبنية على أهداف المدرس الذي يعتقد أنه أعلم". مدرسة سمرهيل تعمل على أسس الديمقراطية والمساواة والحرية.
على الرغم من أن نيل كان مهتماً بالتنمية الاجتماعية للأطفال أكثر من اهتمامه بتطورهم الأكاديمي، إلا أن سمرهيل لديها بعض الاختلافات المهمة في نهجها في التدريس. لا يوجد مفهوم "عام" أو "نموذج" في سمرهيل. بدلاً من ذلك، يتم وضع الأطفال وفقاً لاهتماماتهم أو مستوى فهمهم لموضوع معين. يعتقد نيل أن الأطفال الذين تعلموا بهذه الطريقة كانوا أكثر استعداداً لمعظم تحديات الحياة من الأطفال المتعلمين تقليدياً - بما في ذلك التعليم العالي.
- مدرسة The Clearwater
مدرسة كليرووتر هي مدرسة مستقلة في بوثيل، إحدى ضواحي سياتل الشمالية، واشنطن، الولايات المتحدة. Clearwater هي مدرسة Sudbury التي تخدم الطلاب من سن 4 إلى 19 عاماً.
- Neue Schule Hamburg
هي مدرسة Sudbury خاصة في Rahlstedt، هامبورغ، ألمانيا، تأسست عام 2007.
- The Circle School
مدرسة The Circle هي مدرسة ديمقراطية ذاتية التوجيه تقع في هاريسبرج، بنسلفانيا، تأسست في عام 1984، وتعمل بشكل مشابه لمدرسةSudbury Valley .
- مدرسة شرق كينت سودبري.
التعليم في روج آفا
نادراً ما يُرى في التاريخ أن أنظمة التعليم قد تم تطويرها في ظل الهجمات والمجازر. بدأ التعليم في غرب كردستان خلال ثورة 19 تموز عام 2012 على مبدأ الأمة الديمقراطية. في مجال التعليم، تم الاعتماد على مبدأ التعليم متعدد اللغات. في هذا النظام يتم تعليم كل مكون بلغته الخاصة كما يتم تعليم لغة المكونات الأخرى. وهذا يزيد من التماسك بين الشعوب. يقوم نظام التعليم في شمال وشرق سوريا (روج آفا) على ثقافة الأمة الديمقراطية. أي أنه ليس تعليماً محدوداً فقط، بل يسعى إلى التحول الاجتماعي بهدف الوصول إلى المجتمع الديمقراطي. يقوم على التنوع والحرية الاجتماعية على خلاف نظام الدولة القومية العنصرية. يستند على مبدأ تطوير المجتمع الإيكولوجي والديمقراطي وحرية المرأة، ضد التعليم الأبوي القائم على الدولة والسلطة. على الرغم من وجود مثل هذا المنظور، إلا أنه لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب، سواء من حيث الفكر أو في الممارسة. يمكن للمرء أن يقول أنه وفقاً لمنظور الأمة الديمقراطية، لم يتم وضع نموذجها بعد. من المعروف أن التعليم في شمال وشرق سوريا بدأ في ظل ظروف صعبة ولا تزال المنطقة تتعرض للضغوطات والهجوم. على الرغم من حقيقة استمرار الاعتداءات والمجازر في المنطقة، فضلاً عن قلة الفرص والتأهيل من قبل المعلمين والمنهاج والمدارس وغيرها، فإن تنظيم التعليم من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة هو نجاح كبير، لكنها ليست مرضية سواء من حيث الفكر أو من حيث الفرص والجودة. تم إنشاء العشرات من الأكاديميات للتغلب على هذه العقبة، ويتم تدريب المعلمين في هذه الأكاديميات. يمكننا القول أن نظام التعليم في شمال وشرق سوريا يمر بعملية غزل وفقاً لتوجيهات المجتمع الديمقراطي والفرد الحر. إن تطبيق التعليم الديمقراطي على مدى سبع سنوات في مدارسنا يبعث الأمل. وإذا ما قام نظام التعليم في شمال وشرق سوريا بصياغة نموذجه وفقاً لهذه التوجيهات، يمكن أن يكون المثال الأكثر ملاءمة وثراءً للمدارس الديمقراطية البديلة.
قيّم القائد عبد الله أوج آلان التعليم، وكانت اقتراحاته كالتالي:
"بالإمكان تعريف التربية والتعليم بأنها جهود المجتمع في تلقين أعضائه عموماً وشبيبته خصوصاً، ومدّهم بخبراته، وجعلهم يتمثلونها على شكل معارف نظرية وعلمية. فمجتمعية الأطفال تؤمّن حسب كفاءة المجتمع في التعليم. أي أن تعليم الأطفال من أهم وظائف المجتمع، وليس السلطة والدولة. ذلك لأن الأطفال والشباب ملك المجتمع. فتنشئة أطفاله وشبيبته بموجب تقاليده هو ووفق خصائص الطبيعة الاجتماعية والعودة بهم إليه هو حق وواجب في آن معاً. ويعتبر موضوعاً مصيرياً، إذ ترتهن قضية استمراره بوجوده. لذا لايستطيع أي مجتمع تسليم حقه في الوجود أو مشاطرة مهامه بشأن تعليم شبابه مع أية قوة أخرى. ولايمكنه تسليم حقوقه ومهامه تلك، حتى لو كانت القوة المذكورة هي الدولة أو مختلف أجهزة السلطة. وفي حال العكس فسوف يعد مستسلماً لاحتكارات الهيمنة. تنبع قدسية حق التعليم من الوجود. وما من قوة أقرب من المجتمع إلى الأطفال والشباب، أو أنها ترى داعياً لأن تكون قريبة منهم أكثر منه، بما في ذلك الأب والأم. وإن إحدى أشد تضادات المدنيات تجاه المجتمع على مر التاريخ هي نزوعها إلى حرمان المجتمع من أطفاله وشبابه. ويحقق نظام المدنية الدولتية ميوله هذه بطريقين: إما أن يستعبدهم بعد القضاء على كبارهم، أو أن يستولي عليهم بذريعة تعليمهم للاستفادة منهم في طبقات السلطة.
من أهم أهداف الحروب هو تشكيل بؤر لصهر الأطفال والشابات والشباب بهذين الطريقتين لأنهم من أثمن الغنائم. وهي تشكيل تلك البؤر فعلاً. فمثلما رصفت أرضية البيروقراطية البدئية على هذا النحو، فإن تارسخ المدنية أيضاً يعد بأحد جوانبه نزوعاً إلى تهشيش المجتمع وإلى تكوين قوة الأجهزة البيروقراطية عبر هذا الأسلوب. إنه تشكيل مجتمع ضد مجتمع، أي تكوين مجتمع السلطة والدولة ضد المجتمع الطبيعي. وضمن هذا التكوين يتم تلقين الأطفال والشبيبة المجردين من مجتمعهم الذاتي لغة وثقافة وتاريخاًمغايراً كلياً. فالهدف الرئيسي في هذا التعليم هو تكريس اغترابهم عن ذاتهم، بحيث يتشربون الهوية الأكثر دولتية أيديولوجياً ومادياً، فيغدو عيشهم من دون سلطة مستحيلاً. بل وتصبح الدولة والسلطة بالنسبة لهم السبيل الوحيد للوجود. وهكذا يعتبرون أنفسهم سلطة ودولة من جانب، ويصبحون على نفور مع المجتمع الطبيعي من جانب آخر. وأحياناً تتم المطابقة بين مجتمع الدولة والطبيعة الاجتماعية. لكن هذا خطأ وتناقض. وقد شيد تاريخ المدنية على هذا التناقض. هذه الوقائع التاريخية تتخفى وراء استيلاء السلطات على حقل التعليم، وإلا فهي لاتكترث بوظيفة التعليم حيال المجتمع. فبقدر ما يعلّم رب عمل عماله فالسلطة أيضاً تعلم مأموريها بالمنطق نفسه كعمال عبيد. وحتى لو كان اسمها بيروقراطية، إلا أنه تتم تنشئة أعضائها كعبيد، بدءاً من أدنى المستويات إلى أعلاها.
تنسج سلطات الدولة القومية بصورة خاصة احتكاراتها حول الأطفال والشباب أولاً عن طريق التعليم. فالأشخاص المعجونون بمفاهيمها التاريخية والفنية وبذهنياتها الدينية والفلسفية، لم يعودوا منتمين إلى عوائلهم القديمة. بل باتوا أطفالاً من صلب أصحاب السلطة وملكاً لهم. وهكذا يتأسس الاغتراب الكبير. وتعد البرجوازية من حيث التعليم الطبقة التي تؤسس لأشد أنواع الاحتكار كثافة، وتسلطه على المجتمع بأكمله. فلدى جعلها التعليم الابتدائي والإعدادي إلزامياً وتذكيرها بشهادة التخرج الجامعي للراغبين في الحصول على عمل يكون طوق الاغتراب والتبعية المحاصر لشبيبة المجتمع، ومسار الزج بها في القفص قد أصبحا ضرورة لا مفر منها. بالتالي فالعنف والتعليم والقوة المادية تصبح أسلحة فتاكة يصعب مقاومتها على درب استعمار المجتمع.
وعليه بالإمكان التبيان بكل يسر أن المجتمع قد تلقى أكبر الضربات جراء الحرب التي شنتها الدولة والسلطة ضده طيلة تاريخ المدنية من خلال حقل التعليم. يعد حق المجتمعات في التعليم من أصعب حقوقها تطبيقيا. كما إن المجتمع الذي يتعين عليه ضمان وجوده ضد القوى العملاقة للدولة القومية والاحتكارات الاقتصادية عبر التعليم دون بد، قد دخل أصعب مراحل تاريخه. ومع ثورة الاتصالات الأخيرة فإن الدولة القومية التي بسطت هيمنتها الأيديولوجية عبر حربها الإعلامية المسلطة على كامل المجتمع، تسيِّر حملة جديدة من الاستعمار الثقافي، الذي وفّقت فيه بما يفوق استعمارها إياه عسكرياً واقتصادياً، وذلك بسبب تسييرها إياه بكثافة ومواراة أكبر. يتجسد السبيل الوحيد لحرية المجتمع وخلاصه من مقاومته تجاه هذا الغزو والاستعمار الثقافي بالوسيلتين الأوليتين لوجوده. أي بأخلاقه وسياسته الذاتية. فالمجتمع الذي يخسر شبيبته (أو الشبيبة التي تخسر مجتمعها) لا يدل على الهزيمة فحسب. بل وعلى إضاعة الحق في الوجود الذاتي، بل وخيانته حتى. وما يتبقى حينها هو الاهتراء والتبعثر والاضمحلال. مقابل ذلك، تتمثل مهمته الاجتماعية الأساسية في تطوير مؤسساته التعليمية كوسائل أولية لوجوده. ومن حيث المضمون فمهمته هي فصل شروحه العلمية والفلسفية والفنية واللغوية عن بنية العلم السلطوي، والنجاح في إنجاز ثورة المعنى وإلا فمن المحال تفعيل الأنسجة الأخلاقية والسياسية للوجود الاجتماعي.
هكذا، وكيفما أن قضية التعليم تجعل من مؤسسات (أنسجة) المجتمع الأخلاقية والسياسية ضرورة حتمية من حيث المضمون، فإن الوظيفة الأساسية للأخلاق والسياسة أيضاً هي توفير التعليم الاجتماعي. ذلك أن المجتمع الذي لا يثقف نفسه، فلن يقدر على تطوير أو تكريس أو الحفاظ على أخلاقه الذاتية ومؤسساته السياسية الذاتية. وهكذا مجتمع لن يستطيع تجنب التخبط المستمر في المهالك والفساد والتشتت.
تنظر الحداثة الرأسمالية إلى جعل التعليم والصحة ملكاً بيد الدولة القومية على أنه من الأمور المصيرية. إذ من العسير الاستمرار في بسط الهيمنة والاستغلال العام على المجتمع، دون السيطرة على كلا الحقلين اللذين يتعلق عليهما تطور المجتمع الوجودي والصحي والتنويري، ودون إنشاء الحاكمية الاحتكارية عليه. إن بسط النفوذ على ميداني التعليم والصحة يتسم بأهمية فائقة بالنسبة للاحتكارات، إدراكاً منها باستحالة تملّك المجتمع بالعنف العسكرتاري المجرد فحسب.
نناقش موضوع التربية والتعليم الذاتي. نحن نتحدث عن أنه يمكن لأي منا أن يصبح مدرساً. يجب أن يكونوا معلمين بقدر ما هم طلاب. هذه هي المبادئ التوجيهية العامة. يتمثل جوهر عملنا في تحقيق تعليم أكثر تقدماً وإبداعاً. في التدريب، التعليم والتعلم هو موضوع المناقشة. في حزب العمال الكردستاني PKK، النظام المدرسي لا يكون على نمط أن المعلمين في جانب والطلاب في جانب آخر. بالإضافة إلى الاختبارات الحالية، يجب على الجميع المشاركة في التعليم تارة كمدرس وتارة كطالب."




دلسوز أحمد
المصادر:
https://alternativestoschool.com/articles/democratic-schools/