اللغة الأجنبية في التعليم

01

على مرّ التاريخ، كانت هناك دائماً علاقات بين الأمم المختلفة، وقد تأثرت ثقافاتهم ولغاتهم وأثّرت ببعضهم البعض. كان هذا التأثير أحياناً نتيجة طبيعية لعلاقات الجوار فيما بينها، وأحياناً كان نتيجة للمعارك والحروب والاحتلال. مازالت دول الاستعمار إلى يومنا هذا تفرض لغاتها وثقافاتها على البلدان التي تحتلها. اللغة الكردية في كردستان غير معترف بها، وتُفرض على شعبها ثلاث لغات للدول التي تحتلها وهي العربية والتركية والفارسية.

تمارس الرأسمالية في العصر الحديث أسلوباً مختلفاً في احتلالها للبلدان الأخرى. تقوم بنشر لغتها وثقافتها في العالم رويداً رويداً تحت عباءة العلاقات الاقتصادية والتجارية وتظهرها وكأنها لغة عالمية. اللغة الإنكليزية هي أوضح مثال على ذلك.

حسب الموسوعة الوطنية السويدية (Nationalencyklopedin) يعد ترتيب اللغة الانكليزية هو الثالث بعد الماندرين (اللغة الصينية) والإسبانية. حيث يتحدث بها ما يقارب 360 مليون نسمة (لغتهم الأصلية هي الإنكليزية). ما عدا هؤلاء، هناك ما يقارب المليار شخص يتكلمون بها كلغة ثانية بالإضافة إلى لغتهم الأصلية.

كما هو معروف يوجد في النظام التعليمي للعديد من الأمم لغة أجنبية بالإضافة إلى لغة الأم. ولكن الملفت للنظر هو أن في معظمها اللغة الأجنبية هي اللغة الإنكليزية. بالإضافة إلى ذلك تعتبر اللغة الإنكليزية لغة رسمية في 55 دولة.

بالنسبة للتعليم باللغة الإنكليزية، ينقسم الناس إلى قسمين؛ قسم منهم يدعم هذا الجانب وقسم يعارضه. إن الذين يؤيدون التعليم باللغة الإنكليزية ينظرون إليها نظرة تقدير وإحترام، لأنهم يرونها لغة العصر. هي أكثر لغة منتشرة في العالم. هي اللغة الأولى في التبادل الثقافي العالمي. أصبحت لغة المنظمات المحلية والعالمية. وهي لغة جميع أنواع الإعلام. حسب بحث قام به موقع (websitesetup.org) لعام 2021 فإن 59% من المواضيع الموجودة في الإنترنت هي باللغة الإنكليزية.

في الجانب الآخر يرى المعارضون أن اللغة هي هوية الشعب. تتكون جميع جوانب أفكار وثقافات المجتمعات البشرية من خلال اللغة. اللغة هي سبب وجود وبقاء الشعوب. الشعب الذي يتخلى عن لغته يفقد وجوده أيضاً. التعليم باللغة الإنكليزية هو استمرار الإحتلال على البلدان.

في ظل هذه التناقضات، تدعو العديد من البلدان لجعل التعليم باللغة الإنكليزية. ماليزيا هي إحدى هذه البلدان. يتكلم معظم الشعب الماليزي بلغة المالايو (اللغة الماليزية) . اقترحت الحكومة في عام 2002 مشروع تدريس مادتي الرياضيات والعلوم باللغة الإنكليزية. أرادت الحكومة الحفاظ على تعليم جميع المواد بلغة المالايو، وتغيير لغة الرياضيات والعلوم فقط من المرحلة الإبتدائية وحتى الجامعة إلى اللغة الإنكليزية. تم تنفيذ المشروع في عام 2003. استمر المشروع على الرغم من اعتراض العديد من المدرسين والتربويين. بعد خمس سنوات وحسب نتائج أبحاث هيئة مدرسي لغة المالايو حصل تراجع كبير في مستوى الطلاب. تحققت مخاوف المعارضين لهذا القرار. حيث تراجعت نسبة كبيرة من الطلاب في مادتي الرياضيات والعلوم. انتشر التخلف في العديد من المحافظات. بعد هذه النتائج قام الشعب والأحزاب السياسة بالضغط على الحكومة للتراجع عن قرارها. في النهاية وعدت الحكومة بإعادة النظر في قرارها.

سنغافورا هي مثال آخر على ذلك. هناك ثلاث لغات رسمية في سنغافورا؛ المالايو والماندرين (الصينية) ولغة التاميل. بعد استقلالها بعدة سنوات وتحديداً في عام 1987 قررت الحكومة جعل التعليم بالكامل باللغة الإنكليزية. إن أكبر معاناة تعيشها سنغافورا اليوم ليست ضياع اللغات الأصلية فقط، بل ضياع الأجيال الجديدة أيضاً. فمعظم الطلاب بعد تخرجهم من الجامعة لا يرغبون بالعيش في سنغافورا. يهاجر معظمهم إلى أوروبا ولا يعودون إلى وطنهم مرة أخرى.

كما هو معروف فإن الأمم تتقدم من خلال لغتها. تتوسع العلاقات مع الشعوب الأخرى عن طريق تعلم لغاتهم ويتم التعرف على ثقافاتهم وتتوسع المعارف. إن تعلم اللغات الأخرى وبخاصة اللغة الإنكليزية هي حاجة. ولكن هذا لا يعني أن نقدّم اللغة الإنكليزية على حساب لغة الأم. إن أهم شيء هنا هو أن نستطيع نقل الثقافات والمعلومات والآداب والمعارف من اللغات الأجنبية إلى لغتنا. أن نولي أهمية كبية للترجمة. كلما زدنا من الترجمة، كلما أغنينا لغتنا أكثر. إن تعلّم لغة أجنبية أمر، والتعليم بتلك اللغة أمر آخر. لا يجب أن يكون تعلم لغة أخرة حجة لإهمال لغتنا. لأن الشعب الذي يهمل لغته سوف يزول من الوجود.

 

روبار محمد

02

03