الدور الاجتماعي للتربية والاقتصاد

Komîteya Perwerdê ya KCK'ê

يمكن القول أنّ الاقتصاد في المفهوم العام هو نشاط لتلبية الحاجات الحياتية للمجتمع والتعبير عنها بطريقة مؤسساتية وقانونية. يمكن تعريفه بالمعنى الضيق على أنه تبادل الاحتياجات المادية في جميع أنحاء السوق. التعريف الذي يمكن قبوله بشكل أكثر هو أن اقتصاد السوق يعتمد على قيمة الاستبدال كأساس له بدلاً من قيمة الاستخدام. مثلما أفسدت الرأسمالية المجال الديمقراطي، فإن المجال الاقتصادي أيضاً تعرّض لاضطهاد الدولة القومية والرأسمالية. بهذه الطريقة تم إفراغ الاقتصاد من محتواه.

يمكن تعريف التعليم على أنه محاولة توفير تجربة اجتماعية لأعضائها من خلال المعرفة النظرية والعملية. تتم التنشئة الاجتماعية للأطفال من خلال نشاط التربية الاجتماعية. إنّ تعليم الأطفال ليس مسؤولية السلطة والدولة، إنه أهم واجب يقوم به المجتمع.

لا يشارك أي مجتمع حقه في الوجود أي حقّه في تعليم شبابه مع أيّة قوة أخرى، ولا يسلّمها له. حتى ولو كانت تلك القوة هي الدولة أو أي أداة أخرى من أدوات السلطة، لايمكن تفويض هذا الحق. وإلا فإنه سوف يستسلم لاحتكار الرأسمالية. يستلهم حق التعليم قدسيته من الوجود، أي أنّه حق طبيعي للوجود. "القائد آبو"

إن الرجل الذي قوّض القيم المشتركة لتوازن الحياة الاجتماعية المتعلقة بالمرأة، أقام نفس الهيمنة من خلال الذهنية السلطوية على الطبيعة أيضاً، وبهدف استمرارية نظام السيطرة، اعتبر نفسه في مرتبة أعلى من الطبيعة وبمفهوم "كل شيء مسخّر للإنسان" سيطر على نسيج المجتمع.

نرى أنه في تاريخ التعليم تزداد البيانات العلمية المتعلقة بالخدمات التعليمية، وتتراكم البيانات العلمية في الأفراد أكثر من المجتمع وتصبح الخدمات التعليمية مؤسساتية؛ يصبح دور المرأة في مجال التعليم غير فعّال. مع بداية ظهور المجتمعات الطبقية تم استخدام التعليم وخدمات الإنتاج كجزء من عملية الهيمنة السياسية. أدّى تشكيل الدولة وتحويلها إلى دولة قومية في مرحلة الرأسمالية إلى إضفاء الطابع المؤسساتي على خدمات التعليم ومعامل الإنتاج. على الرغم من أنه في مرحلة المجتمع الطبيعي كان للمرأة دور فعّال في جميع مجالات الحياة ومن ضمنها التعليم، إلا أنه مع تشكل الدولة تم استبعادها من جميع مجالات الحياة ومن ضمنها التعليم أيضاً ولم تستطع أن تمارس دورها في المجتمع.

من جهة، استخدمت الرأسمالية من خلال سياساتها الأخيرة البيئة والمنتجات الضرورية للحياة لغرض زيادة الربح، ومن جهة أخرى، حوّلت جميع الحاجات المعيشية إلى بضاعة استهلاكية. في الوقت نفسه ومن خلال استخدام المزيد من التكنولوجيا والتخصص الزائد عن حده، دخلت جميع الخدمات في حالة معقّدة. تحوّلت مجالات التعليم والإنتاج إلى علاقات استهلاكية فقط، تم تهيأتها للسوق واستخدامها كمجال للمراهنة باعتبارها مصدراً للربح الزائد. لذلك أصبحت الخدمات والحاجات المعيشية سلعة لا يستطيع الاستفادة منها إلا ذوو الدخل المرتفع. يمكن للأشخاص الأثرياء الذين لديهم قوة عاملة أكبر استخدام خدمات الحياة التي تحولت إلى قطاع مربح، كما يشاؤون. في الجانب آخر لا يمكن للفقراء حل مشاكلهم إلا وفقاً لقوتهم الشرائية. (مثال: في عاميّ 2020 – 2021 وفي ظل انتشار وباء كورونا، لم يستطع الطلاب الفقراء متابعة التعليم عن بعد. كما أن العمال وأصحاب المحلات التجارية أصبحوا عاطلين عن العمل لنفس السبب.)

اليوم ومن خلال النظام الرأسمالي يتم اختصار المشاكل الاجتماعية وتقليصها إلى مستوى المشاكل الفردية، يكمن الحل في الفرد مرة أخرى، يتم خلق العلاقات والتأثيرات فيما بين الفرد والمجتمع والفرد والطبيعة وفرضها على المجتمع. ينطبق الشيء نفسه على التعليم والاقتصاد. يتم اعتبار التعليم والإنتاج مستقلان عن البيئة وحرية المجتمع. وفي نفس الوقت المطلوب من التعليم تهيأة وتطوير الإنتاج في النظام الحالي. تم خنق الطلاب في أطر الحرم الجامعي، كما تم سجن العمال في المصانع. بسبب هذه المواقف نسي الأفراد المشاكل الاجتماعية. من الواضح أنه إذا كان الأفراد والعمال الذين يخدمون مجتمعهم لا يفهمونه، فإنهم لن يستطيعوا أن يخدموا مجتمعهم بالشكل الأمثل وتوفير الحلول لمشاكله. هذا كله يصبح سبباً لتطور مفهوميّ الرأسمالية والتعصّب الجنسي المرتبطتان بالربح الزائد.

إن المقاربات التمييزية والتعصب الجنسي في نظام التعليم والإنتاج أي الاقتصاد، تسبب أيضاً المزيد من المشاكل في نفس المجموعات المهنية. بالطبع ومن خلال نظام التعليم يتم غرس المفهوم التالي في أذهان المرء: بعض المِهن ليست مخصصة للنساء، لا يمكن للمرأة أن تمتلك أو تمارس هذه المِهن، وهذا يؤدي إلى استخدام التعليم كأداة سلبية في بناء النسيج الاجتماعي.

وفقاً لبيانات منظمة العمل الدولية (ILO) حول التعصب الجنسي الاجتماعي، فإنه في العالم:

  • هناك 67% من النساء من بين 1.3 مليار شخص يعيشون في فقر مدقع.
  • من بين ما يقارب مليار شخص أمّي، نسبة النساء بينهم تزيد عن الثلثين، ومن بين الأطفال المحرومين من التعليم نسبة الفتيات منهم 70% .
  • تزداد نسبة النساء اللواتي يعملن في وظائف غير مدفوعة الأجر أو منخفضة الأجر بمقدار الضعف مقارنة بالرجال.
  • تستطيع المرأة أن تصل فقط إلى ثلثيّ ما يكسبه الرجل.

حوّلت الرأسمالية ومن خلال عدة طرق المجتمع المنتج إلى مجتمع مستهلك، وبهذه الطريقة زادت من رأسمالها من جهة ومن جهة أخرى تمكنت من تعزيز هيمنتها. من الواضح أن الرأسمالية تحدد في البداية حاجات المرء وبعدها ومن أجل تلبية هذه الحاجات تقوم بتأمين فرص العمل التابعة لها. عندما يدخل الناس إلى الأسواق الكبيرة، فإنهم ومن خلال الإعلانات والأساليب المتنوعة يتم دفعهم إلى استهلاك ما هم ليسوا بحاجة إليه. عندما يتم استهلاك المنتجات التي لا يحتاجها المرء فإنها تتحول إلى سلعة، بمعنى أنها تصبح منتجات غايتها الربح الزائد.

في النظام الرأسمالي، جميع المشكلات الاجتماعية هي مشكلات خلقها النظام نفسه. تقوم الرأسمالية ومن خلال هذه المشكلات التي خلقها باستعباد المجتمع.

في الحداثة الرأسمالية مثلما تحولت جميع مجالات الحياة إلى سِلَع، فإن ذلك ينطبق على التعليم والإنتاج أيضاً. بلا شك كان للمؤسسات التعليمية ومن بينها الجامعات أيضاً حصّة منها. المؤسسات التعليمية اليوم أصبحت كالشركات، وفي نفس الوقت أصبحت أماكن مأجورة. كنتيجة لذلك، تم استبعاد قسم كبير من المجتمع من التعليم الفعّال. على الرغم من أن التعليم المجاني هو حق طبيعي للجميع، إلا أنّ النظام وبهدف تحقيق الربح الزائد قام بحرمان هذا الحق من قسم كبير من المجتمع.

لقد خاض نضال الحرية صراعاً لا مثيل له ضد ممارسات حضارة الدولة من قمع واحتلال للمجتمع والفرد والطبيعة في سبيل إعادتها إلى جوهرها. وبالتالي حدد جميع أمراض الحداثة الرأسمالية، ونقدها، ونتيجة لذلك قدّم الحداثة الديمقراطية كبديل عنها. بهذا المعنى، فإن بناء نظام الحداثة الديمقراطية يعني بناء مجتمع ديمقراطي وبيئي وحرية المرأة.

إن معارضة هيمنة الرأسمالية على التعليم والاقتصاد من خلال منافستها بنفس أساليبها وقوانينها غير ممكنة. هناك حاجة لرفض المفهوم الرأسمالي للتعليم والاقتصاد، إعادة بناء نظام التعليم والاقتصاد الاجتماعي من خلال أساليب إبداعية. لذا يجب اتخاذ الخطوات الأولى من خلال تقويم الفكر.

تحقيقاً لهذه الغاية، من الضروري في كلا المجالين سدّ الطريق أمام تعميق التمييز بين الذات والموضوع. في البداية رفض تحويل الطبيعة إلى مادة ورفض مفهوم "كل شيء مسخّر للإنسان". بالإضافة إلى ذلك رفض اعتبار جسم الانسان مادة. كما يجب استبدال مفهوم "جاهل" في تعليم النظام الرأسمالي بمفهوم التعليم الطبيعي الديمقراطي. أيضاً ومن خلال النضال في وجه تطوير المجتمع الاستهلاكي الصناعي، اعتماد تطوير الحياة المشتركة كأساس لها.

في التعليم والإنتاج، فإن مفهوم التنشئة الاجتماعية التي تم تطويرها من قبل المرأة هو في نفس الوقت بحث المرأة عن التوازن مع الطبيعة. خلال مرحلة الحضارة الدولتية ومؤخراً الرأسمالية، خلقت المرأة عن طريق خبراتها العلمية في الحياة الاجتماعية مجالات الحياة الحرة والكومينات وكذلك الأنظمة الموسّعة.

نتيجة لهذه الحقائق يجب تنظيم مجالي التعليم والاقتصاد لتلبية حاجات المجتمع في وجه جميع محاولات النظام الرأسمالي الذي يستخدم هذين المجالين كبوابات للربح الإضافي.

إنّ إضفاء الطابع الاجتماعي على إنتاج المعرفة ونقلها ومشاركتها يُعتبر العنصر الأساسي في الحياة الاجتماعية. بلا شك، في هذه المسألة الحيوية يقع عبء ومسؤولية كبيرة على عاتق التعليم.

 

محمد فاروق