بيداغوجيا الخطأ

يُعرّف مصطلح البيداغوجيا بأنه قيادة وتوجيه الطفل، بمعنى أنه من يرافق الطفل من وإلى مدرسته، كما يعمل على مساعدته على إنجاز دروسه، فقد اشتق هذا المصطلح من أصل يوناني من مقطعين (بيداPED) والتي تعني الطفل، أما (غوجيا AGOGIE) فهي التي تعني القيادة والتوجيه. وكذا فقد ورد تعريف البيداغوجيا على إنها العلوم التي تهتم بأساليب وأصول التعليم، للسعي وراء تحقيق الأهداف التي يصبو إليها هذا العِلم.
تنقسم البيداغوجيا إلى قسمين هما: البيداغوجيا التقليدية والبيداغوجيا الحديثة. وفقاً للبيداغوجيا التقليدية فإن المعرفة توجد خارج الدماغ، و أن مهمة البيداغوجيا تتمثل في نقل هذه المعرفة إلى دماغ التلميذ، وأن هذه المعرفة يجب أن تخزن في ذاكرته، وأنها ستنبجس من الذاكرة، سليمة دون أن يلحقها أي تغيير في الوقت المناسب. ووفقاً لهذه البيداغوجيا فعقل الطفل عبارة عن صفحة بيضاء أي أنه لاتوجد أي معلومات بداخله. ووظيفة المعلم ملء عقل الطفل بالمعلومات. من الناحية الفلسفية يعتبر هذا الأسلوب الطفل كمادة. على خلاف هذا النهج ، فإن البيداغوجيا الحديثة تتعامل مع الأطفال كوجود له إرادة وإمكانية للحصول على المعرفة. في البيداغوجيا التقليدية، الطالب هو الطالب والمعلم هو المعلم، أي المعلم هو المسؤول عن تعليمهم. على خلاف ذلك ففي البيداغوجيا الحديثة تتم عملية النشاط التربوي بشكل متبادل. في هذا النهج، يتعرف المعلم على وجود الطفل ويديرون الدرس معاً. في الواقع لا يمكن للمرء أن يقبل البيداغوجيا التقليدية والحديثة كما هي. أي أن البيداغوجيا التقليدية ليست خاطئة تماماً ولا البيداغوجيا الحديثة هي الطريقة الصحيحة تماماً. كلتا الطريقتين بحاجة إلى التقييم والحكم عليها فلسفياً.
أنواع البيداغوجيا
للبيداغوجيا عدة أنواع وتختلف باختلاف النظريات الفلسفية التي خلقت لنا هذه المقاربات، ومن بين أنواع البيداغوجيا نذكر :
- بيداغوجيا الفارقية
إن هذا النوع يذهب في اتجاه اعتبار أن المتعلمين داخل القسم الواحد، يدرسون في نفس المستوى، ولكنهم مختلفون من ناحية قدراتهم، على الفهم والاستيعاب، وبالتالي لضمان تكافئ الفرص بين المتعلمين، لابد من صياغة محتويات معرفية مرنة وملائمة، لتكييفها مع إمكانيات المتعلمين.
- بيداغوجيا التعاقد
من خلال هذه البيداغوجية يتم الاتفاق بين المدرس والمتعلمين على أهداف معينة، وبالتالي فهي تعتمد على ثلاث مبادئ أساسية: مبدأ حرية الاقتراح والتقبل والرفض ومبدأ التفاوض حول عناصر التعاقد، وأخيراً الانخراط المتبادل لإنجاح التعاقد.
- بيداغوجيا المشروع
إن هذه البيداغوجيا تروم إلى تشجيع المتعلمين، على المشاركة في مشاريع المؤسسة، ومشروع القسم ومشروع المتعلم، حيث يقوم المدرس مثلاً باقتراح مشاريع مرتبطة بموضوع الوحدة المدروسة، ويطلب منهم إنجازها، ويعمل المدرس على تتبع إنجازات المتعلمين وتوجيههم لكي يتمكنوا من إنجاز مشاريعهم في نهاية الوحدة، بعدها يقوم المدرس بتقييم المشاريع واختيار أفضلها.
- بيداغوجيا حل المشكلات
إن أهمية هذه البيداغوجيا تكمن في وضع المتعلم، أمام مشكلة، وتحفيزه على إيجاد حل لها، لكي يقوم المتعلم باستعمال مهاراته ومعارفه، لتذليل صعوباتها، من أجل بناء التعليمات، وهذا ما ينمي في المتعلم ملكة البحث، وبالتالي يعمل على إعطاء حلول يتم مناقشتها داخل الفصل الدراسي، وهذا ما يجعل المتعلم واثقاً من نفسه، ويتغلب على تخوفاته.
- بيداغوجيا الإدماج
من خلال هذه البيداغوجيا يتم وضع المتعلم أمام وضعية مركبة، وعليه أن يقوم باستثمار مكتسباته للوصول إلى حل الوضعية التي تعرف بوضعية الإدماج.
- بيداغوجيا اللعب
إن نوع اللعب الذي تقصده هذه البيداغوجيا ليس اللعب العادي، الذي يقوم به كل الأطفال داخل وسط معين، بالطرق التي يريدونها ولا تخضع لمراقبة أحد. بل هو اللعب البيداغوجي الذي من خلاله يستهدف المتعلم، من أجل تقوية مهاراته الحس حركية، ومهارات الملاحظة. وزرع روح المنافسة الشريفة، من خلال حثه على تقبل القوانين المؤطرة للعبة.
- بيداغوجيا الخطأ
إن بيداغوجيا الخطأ هي مقاربة تربوية، تهتم بتشخيص الأخطاء وتحديد أنواعها، وعلاجها عبر طرق ووسائل دقيقة، ومن إيجابياتها أنها لا تعتبر الخطأ دليلا على الفشل عند المتعلم، مما يؤثر على نفسيته، بل تعتبره عاملا مساعداً على التعلم بل وترى بأنه من الطبيعي أن يخطئ المتعلم.
اعتبر الخطأ منذ القدم ذنباً لا يغتفر وفعلاً سلبياً يستحق العقاب ومؤشراً على الفشل الدراسي. انعكس هذا التصور على الممارسات البيداغوجية التقليدية. يقول غاستون باشلار: "الحقيقة العلمية خطأ تم تصحيحه". وخلال القرن العشرين مع التطور الذي عرفته فلسفة المعرفة مع باشلار وغيره. تغيرت النظرة إلى الخطأ وأصبح أساساً لبناء المعارف. ظهر توجه بيداغوجي يرتبط بالخطأ. وهي تصور ممنهج لعمليات التعليم والتعلم ينظر إلى الخطأ كاستراتيجية لبناء المعرفة.
ما هو الخطأ
يعرف الفيلسوف الفرنسي (آندريه لالاند) الخطأ بأنه "حالة ذهنية أو فعل عقلي يَعْتَبِر الصواب خطأ، والخطأ صواباً".
ومن المنظور البيداغوجي فالخطأ "قصور لدى المتعلم في فهم أو استيعاب التعليمات المعطاة له من لدن المدرسين، يترجَم سلوكياً بإعطاء معرفة لا تنسجم ومعايير القبول المرتقبة". ويعتبر الخطأ في البيداغوجيات الحديثة منطلقاً ومحركاً لعمليات التعليم والتعلم.
وتستند معالجة الخطأ إلى مبادئ علم النفس التكويني ومباحث ابستيمولوجيا التي انجزها باشلار؛ فهي تدرج تدخلات المدرس في سيرورة المحاولة والخطأ، حيث لا يُقصى الخطأ وإنما يعتبر فعلا يترجم نقطة انطلاق التجربة المعرفية.
التصور التقليدي للخطأ:
- استجابة غير ملائمة للمثير
- غير مقبول ومعرقل لعملية التعلم
- خلل في الإنجاز المتوقع
- يجب القضاء عليه وإبعاد المتعلم عنه ( العقاب والجزاء)
التصور الحديث للخطأ:
- الخطأ معرفة تحتاج التصويب (وليس غياب المعرفة) لأنه ناتج عن اشتغال الدماغ على المحتوى
- مؤشر على النشاط الذهني للمتعلم (أفضل من السكوت)
- دراسته وتحليله تساعد على التعلم
- تشجيع المتعلم على الخطأ إجراء بيداغوجي صائب
مصادر الخطأ:
العائق هو مصدر الخطأ
أنواع العائق :
- العائق النمائي: ربما يكون المطلوب لايناسب مستوى النمو المعرفي، أو بسبب الاضطرابات النمائية: السمع – البصر – إعاقة حركية – إعاقة ذهنية.
- العائق النفسي الاجتماعي:
تؤثر العديد من العوائق النفسية والاجتماعية على الطالب منها الخوف - الخجل- الانطواء- عدم الثقة في النفس- الخوف من السخرية والإهانة... إلخ
- العائق الإبستمولوجي:
الإبستمولوجيا: فلسفة المعرفة وتهتم بدراسة مصادر المعرفة والأسباب العميقة وراء نشوئها وتطورها والجدل المعرفي الناتج عن اشتغال الذات على الموضوع.
يقول باشلار: المعرفة لاتبدأ من الصفر بل تبنى انطلاقاً من معارف سابقة (الصراع المعرفي)
بمجرد نشوء العلاقة بين الذات والموضوع ينشأ العائق الإبستمولوجي.
ينتج عن الغموض الناتج عن المعرفة ذاتها. والتي تحاول المعارف السابقة مقاومتها. وعن تفاعل الذات مع الموضوع.
- العائق الديداكتيكي:
عدم وضوح التعاقد بين المدرس والمتعلم. وكذلك خلل في النقل الديداكتيكي وعدم استعمال الوسائل والطرائق الديداكتيكية المناسبة في بناء المفهوم.
المعالجة البيداغوجية للخطأ:
تتم المعالجة الديداكتيكية للخطأ من خلال المراحل الثلاث التالية:
- الرصد: يتم رصد الخطأ عن طريق الملاحظة أو الروائز أو شبكات لتفريغ النتائج، وكذلك التركيز على الأخطاء المنتظمة المتكررة وإشعار المتعلم بوجود خطأ وعدم تجاهله.
- التحليل: تصنيف الأخطاء حسب مصادرها والتعرف على مكان الخلل من أجل التدخل.
- المعالجة: أن يدرك المتعلم مكمن الخلل ويعمل على معالجته بتوجيه من الأستاذ وبمساعدة الأقران.
لكل مصدر من الأخطاء طرقه الخاصة في المعالجة:
- النمائي:
في الغالب يكون العلاج طبياً. يمكن للمدرس اختيار مايناسب المتعلمين المعنيين ومراعاة النمو المعرفي.
- النفسي الاجتماعي:
اجتناب القمع والتهكم والسخرية والعمل على نشر ثقافة الاحترام وتقبل أجوبة الآخر. التنشيط التربوي. أنسنة العلاقة بين المدرس والمتعلم – التواصل الإيجابي...
- الإبستمولوجي:
إعادة النظر في النقل الديداكتيكي. التبسيط- استخدام الأمثلة الملموسة- استعمال وسائل الإيضاح...
- الديداكتيكي:
تبدأ المعالجة الديداكتيكية للخطأ قبل إنجاز الدرس، حيث ينبغي على المعلم أن يصوغ مجموعة من الفرضيات أثناء إعداده للدرس، بما في ذلك توقع الأجوبة الخاطئة وتمثلات المتعلمين حول موضوع معين، بِغضّ النظر عن أصلها ومرجعيتها (اجتماعية أو بيداغوجية أو معرفية…).
بالنسبة لرينيه ديكارت فإن المعرفة الواضحة للعالم يمكن أن تُبنى من مصادر فطرية في العقل البشري. كما إن نظرية المعرفة الأفلاطونية تقول إن الفكر هي عملية فطرية وأن التعلم هو عملية استكشاف الأفكار المدفونة في أعماق الروح. وعلى نقيض ذلك فإن جون لوك يقول بأن العقل البشري يبدأ بصفحة بيضاء خالية من كل الشخصيات وبدون أي أفكار. وعلى هذا المنظور فإن جميع مقومات الإدراك والمعرفة تأتي من التجربة. إن المدرس الذي يحاول هدم التمثلات الخاطئة للتلاميذ قبل شروعه في الدرس يعي جيداً أن التلميذ ليس عبارة عن ورقة بيضاء يدوّن عليها المعارف الجديدة، بل بداخله تمثلات حول جميع الأشياء الموجودة في هذا العالم المادي. لذا يجب الاستماع للطالب وإعطائه الحق للإدلاء برأيه وعدم إخافته من قول الخطأ. ومن ثم معالجة الخطأ من دون تجريح. جميعنا نعلم أن نظرة المجتمع للخطأ تعتبر نظرة سلبية فمن يخطأ يعني أنه فشل. لكن في الحقيقة يعتبر الخطأ بداية نشوء المعرفة. الحقيقة تبقى حقيقة، ولكن عندما يخطئ الطالب تفتح أمامه أبواب التعلم لأنه يفكر في جميع جوانب الموضوع ولا يرى فقط إجابة سؤاله، بل يتعلم جوانب كثيرة. من خلال الخطأ يزداد البحث. القرار الخاطئ سيضاعف خبرتك والقرار الصائب سيضاعف ثقتك لذلك لا تقلق من كلا الحالتين وكن صاحب قرار. الخطأ الحقيقي هو البقاء عليه. ليس من العيب أن تخطئ، إنما العيب أن تُكرر الخطأ. الحياة لاتخلُو من الأخطاء، إن المخلوق الوحيد الذي يخطئ هو الإنسان، ويصحح الإنسان أخطاءه من خلال تجاربه وبالتالي تتطور معرفته.
دلسوز أحمد