تقييم ناقد لنظام الاختبارات

عندما يتم الحديث عن الاختبارات، فإن أول ما يخطر ببالنا هو المدارس والمعلمون والطلاب. في الحقيقة إن الاختبارات أشمل بكثير مما يتم بالمدارس. بشكل عام الاختبار يعني متابعة شيء أو شخص ما لهدف محدد ومحاولة معرفة الحقائق المتعلقة بهما. الاختبارات ليست مرتبطة بمجال أو وقت أو مكان محدد. فهي تتم في جميع المجالات وفي كل الأوقات وفي كل مكان. أمثلة على ذلك: عندما يستجوب الطبيب المريض بهدف معرفة المرض. عندما يجري العالِم التجارب على وحيد الخلية. عندما يختبر صاحب المعمل السيارات قبل بيعها في الأسواق... إلخ.
يتضح من الألواح السومرية أنهم استخدموا الاختبارات في مدارسهم قبل الميلاد بـ 3000 سنة. كما يُقال أنّ الصينيّين أيضاً قبل الميلاد بـ 2000 سنة استخدموا الاختبارات لتقييم مستوى موظفيهم، حيث كانوا يجرون لهم الاختبارات كل ثلاثة سنوات. في عام 1855م قامت جامعة كامبريدج البريطانية باستخدام الاختبارات بشكل رسمي لتقييم طلابها. في النظم التعليمية الحالية، تهدف الاختبارات قياس مستوى فهم الطلاب لمواضيع تناولوها خلال مرحلة ما. الاختبارات حسب النظم التعليمية هي تحقيق شامل يتم من خلاله قياس مدى فهم موضوع ما من عدة جوانب. إن كانت الاختبارات المدرسية بهذا الشكل، فهي تحققه بالفعل. ولكن هل حقاً هي تقوم بذلك؟
تُجرى العديد من الاستبيانات في المجتمع. يتم استهداف عدد محدود جداً من فئات المجتمع في تلك الاستبيانات (من 500 حتى 1000 شخص). وحسب ذلك يتم تعميم النتيجة على المجتمع. في الحقيقة القسم الأكبر من المجتمع (ربما يكون بالملايين) ليس لهم علاقة بالاستبيان وبذلك فإن نتيجة الاستبيان خاطئة. يتكرر نفس الشيء في المدارس. في ساعة واحدة ومن خلال عدة أسئلة حول مجال واسع مثل الرياضيات أو التاريخ أو العلوم حيث انشغل به الطالب على الأقل عدة شهور، يتم تحديد مستواه بعلامة أو رقم. يغطي الاختبار جزء صغير من المعلومات ولا يتم تقييم الطالب في القسم الأكبر من تلك المعلومات. إن اختيار بعض الأجزاء من المحتوى عند اعداد الاختبارات لا يمكن أن يكون دليلاً على الفهم الكامل للمحتوى.
يتم الحديث دوماً عن ثلاثة صفات للاختبارات الناجحة؛ الموضوعية والصدق والثبات. الأول: عندما لا يكون هناك تأثير للمعلم على علامة الطالب، حينها يكون الاختبار موضوعياً. ولكن ما عدا المعلم ألا يوجد أي شيء آخر يؤثر على علامة الطالب؟ الكل يتحدث عن حقوق الطفل وحمايته من العنف والتخويف والاغتصاب... إلخ. ولكن لا أحد يتحدث عن أنظمة الاختبارات وتأثيراتها الضارة على الطلاب وأهلهم. في فترة الاختبارات يظل الخوف والاضطراب يلازمهم وينتقل التأثير إلى أهلهم أيضاً، يتساءلون هل يستطيعون اجتياز الاختبار أم لا؟ مستقبله مرتبط بالاختبارات. إن الـتأثير الأسوأ ليس على علامة الطالب بل على حياته أيضاً (انتحر الكثير من الطلاب خوفاً من الاختبارات). الصفة الثانية هي الصدق: عندما يقيس الاختبار الشيء المراد بالفعل، عندها يكون الاختبار صادقاً. من المعروف أن الهدف من الاختبارات هو معرفة مستوى الادراك المعرفي للطالب. كما أوضحنا قبلاً، عندما يتناول الاختبار جزءاً صغيراً من المحتوى، عندها يكون مقياس مستوى فهم الطالب ناقصاً. ربما يستطيع الاختبار قياس مستوى التذكر والفهم والتحليل أو توضيح موضوع ما، ولكن هناك أشياء أخرى لا تستطيع الاختبارات بأي شكل من الأشكال قياسها مثل: الشجاعة واتخاذ القرار والقيادة والفضول والتواضع والرحمة والثقة... إلخ. الصفة الثالثة هي الثبات: عندما يتم تكرار نفس الاختبار في نفس الظروف على نفس الطالب ويعطي نفس النتيجة، عندها يكون الاختبار ثابتاً. ولكن هل هذا ممكن؟ في الحقيقة هذا غير ممكن بأي شكل من الأشكال. لأنه لا يمكن لأي شخص أن يعيش نفس الحالة في وقتين مختلفين. هناك الكثير من الأشياء التي تؤثر على الشخص. من الممكن أن تكون إجاباته اليوم بشكل ما وغداً بشكل آخر. إن الأحاسيس التي يعايشها الطالب في لحظة الامتحان تؤثر عليه بشكل كبير. لذلك، من غير الممكن أن تكون نتائج الطالب متطابقة عند إعادة الاختبار.
قانون كامبل
عالِم الاجتماع الأمريكي دونالد كامبل منذ عام 1976 أدرك أنه سوف تطرح الاختبارات مشكلة كبيرة معها: "قد تكون اختبارات الإنجاز مؤشرات قّيمة على التحصيل في ظل ظروف التدريس العادي التي تهدف إلى الكفاءة العامة. ولكن عندما تصبح درجات الاختبار هدفاً لعملية التدريس، فإنها تفقد قيمتها كمؤشرات على الحالة التعليمية وتشوّهها." قام كامبل بتعميم هذا المثال على المجتمع: "كلما تم استخدام مؤشر كمّي (نسبة مئوية، عدد، وحدة قياس، ترتيب... إلخ) كعنصر رئيسي لاتخاذ القرارات في مجال سياسة وهندسة المجتمع، كلما كان هذا المؤشر عامل تحريف وإفساد للعمليات والنظم والترتيبات المجتمعية التي من المفروض تم وضعه لمراقبتها."
إن ما طرحه كامبل قبل حوالي خمسين سنة هو من أسوأ المشاكل. تقوم أنظمة التعليم الحالية بإعداد كل شيء وفق اختبارات نهاية العام الدراسي. يقوم المعلمون بإعداد الطلاب فقط من أجل الاختبارات ويدرس الطلاب فقط من أجل الحصول على علامة جيدة في الاختبارات. المدارس الخاصة والدورات الخاصة والمعلمون الخصوصيون (جميعها مأجورة) كلها نتائج هذا النظام. ومن أسوأ هذه النتائج الغش. يغش الطالب ليحصل على علامات أكثر ويغش المعلم ليبين للإدارة أن مستوى طلابه أفضل ولنفس السبب تغش الإدارة السلطة القائمة. حسب قانون كامبل فإن نفس المرض يتكرر في المجتمع. عندما يتم تعيين رقم أو نسبة للدلالة على النجاح في أي مجال أو مؤسسة ويتم اتخاذ القرارات وفقاً لها، عندها فإن الهدف لن يكون نجاح العمل بل سوف تكون تلك النسبة وذلك الرقم فقط. بالطبع، يبدأ الفساد من هناك. حينها يصبح التطبيق وتطور المجتمع آخر الهموم والأهم منها في طبقات السلطة هو دلائل التطور وليس التطور بعينه. أي مرة أخرى تلك الأرقام نفسها.
تقضي أنظمة التعليم الحالية على الإبداع مثل تلك السلعة المقولبة. كل شيء محاط بأطر الاختبارات. وكل ما يدور في ذهن الطالب هي علامته في نهاية السنة الدراسية. بعد الاختبارات يتم نسيان كل شيء. عندما ينهي الطالب دراسته وينتقل إلى مجال العمل، يبدأ من الصفر وكأنه لم يتعلم هذا العمل أبداً. يعاني الكثير من الصعوبات في الحياة العملية.
يجب يكون معلوماً أن المنافسة ليست أساس التعليم، ولكنه البناء على أساس القدرات وتطور المجتمع. إن ما يحبب التعليم بالطلاب هو الفضول. حينما يتم إخراج الاختبارات من التعليم وربطها بالمجتمع بشكل مباشر، سوف يزداد الفضول عند الطلاب. من أجل قياس مستوى الطلاب وبدلاً من قوالب الاختبارات متابعة أنشطة الطلاب بشكل يومي. والاعتماد على هذه المتابعة كأساس للتقييم. وهذا مرتبط بشكل مباشر بالمناهج. يجب إخراج المنهاج عن القالب النظري والبعيد عن المجتمع وتغييره. من الممكن أن يكون هذا عملاً صعباً وعبئاً ثقيلاً على المعلم، ولكن هناك طرق لتجاوزها أيضاً. يجب في البداية تدريب المعلمين بشكل جيد "التدريب الأولي". وبالنسبة للمعلمين القائمين على العمل أن يكون هناك "التدريب المستمر". من الممكن أن يكون هناك تأثير شخصية المعلم على التقييم "الانحياز"، ولكن يمكن معالجتها من خلال المتابعة والمراقبة المستمرة. في النهاية ومن أجل تغيير حقيقي يجب ألا يتم اعتبار درجة الطالب كنهاية للتقييم ولكن كنقطة انطلاق البداية.
روبار محمد